lundi 22 octobre 2018

Tannit-Venus تانيت – فينوس


تانيت – فينوس
قصة قصيرة بقلم حسن ايد بلقاسم
كان أطلس قد تمرد على طغيان الالهة بعد ان عبدها قرونا ، كان العقاب قاسيا ، فبعد المشاركة في حرب العبيد ضد الالهة أصدرت عليه هذه حكما بالاعمال الشاقة ، وحكما أبديا لا ينتهي الا بانتهاء الكون . ان العمل الشاق المسند اليه بجانب مسخه  جبلا هو  حمل كل البناء السماوي الثقيل .
          غير ان طريق التمرد والحرب ضد الاله هو أيضا الطريق الوحيد للسمو نحو مرتبة الاله ، ولأنه كان على اطلس ضمن تنفيذ الحكم القاسي بالاعمال الشاقة ان يوقف البحر عند حدوده حتى لا يغرق البناء ، فقد تسامى الروح  بسبب عملية احتواء قام بها جوبيتار اله البحر المعاند من اجل كسر قوة اطلس الجبار  الذي تنازل كذلك في عملية تاكتيكية لاحتواء عناد جوبيتار .
          هكذا ولد اله جديد يحمل اسما مزدوجا يحافظ على خصائص متناقضه ، انه اطلس- جوبيتار ، فهو مسالم لطيف كالعبيد ومتمرد محارب كفرسان تاكفاريناس مبدع في السحر والتشكيل كما يبدع الموج ببطء على الصخور الصلبة في شواطيء المحيط ، معاند في الدفاع  عن الحياة  والحب بقوة عناد البحر – المحيط في الحفاظ على تجدد الحياة في اعماقه .
          ورغم السمو المزدوج فان اطلس جوبيتار حافظ على القيام بشعائر خاصة تجاه الالهة "ديانا " الهة الصيد ،
          فهو منذ طفولته السعيدة / التعسة في قمم الجبال المتشابكة مع السحب  ، أردية  الالهة ، ترعرع متعلما اصطياد السناجيب والحجل واستنشاق عبير الزهور البرية  الممتع تلك التي كانت تحرره بشكل صوفي من عبوديته خلف قطعان ماعز وغنم الالهة التي كان عليه واجب بل قدر متابعتها بعدما تم تعبيده او استعباده ،
          ولان التحول من حضيض موقع العبيد الى قمم الالهة يستلزم علاقة حب تتسامى بالاله الجديد فان " اطلس " جوبيتار  سيتيه قرونا في البحث عن محبوبته ،
          كانت الطفلة الجميلة " تانيت " قبل ان تتحول الى الهة معبودةكل أطفال العبيد ومعلمتهم، كانت جميلة القسمات ، ذات عينين عميقتين ووجنتين ساحرتين وشعر اسود طويل فاتن ،
          كانت تانيت الأميرة الأكثر سحرا وجمالا بين أربع اميرات يخدمهن العبيد، تمكنت منذ طفولتها السعيدة  التعرف على أحوال العالم , وتمتعت بكل المباهج  المخصصة للالهة ، كانت المسابح في كل الارجاء تتمنى احتضان جسدها البديع المنحوت بدقة متناهية  تفيض رؤيته باحاسيس الحب عند الالهة نفسها ،  كانت الكلمات تفيض  عسلا وشعرا من بين شفتيها المذهلتين ،
          كانت تانيت تفيض بالنور والخصوبة  ولم تكن هناك الهة ستقبل  بوجود منافسة  من هذا المستوى ، لذا فان  فينوس الهة الحب  والجمال حاولت ان تنتزعها  من عزها  وعالمها المحاط بازهار الياسمين ذات  العبير المنعش ,
          استعملت فينوس كل وسائل  الكيد التي تراكمت بسبب الخبرة الطويلة لدى الالهة التي لا يركع اله الحرب  او اله الخمر الا امامها ،
           ولم تكن فينوس لتتجنب اللجوء الى استعمال جمالها المطلق وحبها النافذ لدى بقية الالهة لكي توقع بغريمتها الجديدة " تانيت " ،
          كانت تانيت أولى واجمل الاميرات الأربع على موعد مع امتحان يلزم كل الطفلات الجميلات الطامحات  بفهم الكون عندما بلغت من عمرها ثمانية عشرة سنة، وكانت قد اختارت بسبب حبها لحسابات الفلك وفن الطيران دراسة علم الأرقام المعقدة. ولنباهتها وذكائها الخارق  لم تكن اخواتها  الاميرات ينتظرن غير المرور  على السراط  الرياضي كريح تضاهي لطافته نسيم الشروق وتتجاوز سرعته الطائر الأسطوري الذي كانت تحلم بقيادته .
          غير ان نفاذ احتيال فينوس  وجبروت الالهة التي تركع لها تضافرت  , في خبث لا مثيل له لكسر انفتها  خمس سنوات  متتالية . وكان ذلك ذا  تأثير  بعيد  خلف على وجنتيها  الساحرتين حبات لا تعالج  بغير ذهن منعش  الرائحة يتم عصره بعد انجاز عمليات معقدة على ثمار شجر لا يوجد بغير قمم الاطلس يدعى " اركان " ،
          ولم تكن  تانيت وهي عاشقة ، لتخلد للاستعباد والعبودية في القصور او بين الجدران مهما كان ملكها ، ولم تكن تانيت التي اختارت علم الأرقام الدقيقة لشغفها بالفلك  وفن الطيران لتغرق في بلادة  الهزيمة بل استحصرت بعدما فطنت  لتحالف  الالهة ضدها  في حرب مقدسة كل قدراتها  .
          ولأنها كانت وحدها تملك حينئذ مفتاح السماء وبذور الخصوبة  فقد اطفأت الانوار وأوقفت الامطار ، وتزعزع  عالم الالهة ،  وبعد مفاوضات  عسيرة وعمليات معقدة كانت اخرها  عملية  مخاض مؤلمة  أعلنت الالهة عن ميلاد  الهة جديدة  تحمل اسما مزدوجا  تانيت – فينوس ، وأصبحت الالهة الوحيدة للجمال  والحب والخصوبة والسماء معا ،
          حافظت تانيت – فينوس على خصائص الطفلة الجميلة تانيت ، على جمال القسمات وعلى عمق العينين الباسمتين والوجنتين الساحرتين والشعر الطويل  الفاتن وأضافت رداء خاصا بها كالهة  حملته معها من الأرض  المقدسة دو لون اسود بحاشية حمراء تسدله على جانب  من شعرها فتصبح اكثر روعة واعمق سحرا وانفذ جاذبية ،
          انها لا تزال كما كانت في طفولتها ، تشعر بحريتها  المطلقة قي قمم الجبال الأطلسية او في أوساط واحات صحراء شمال افريقيا تماما كما لو  انها لم تتحول الى الالهة المزدوجة ،
           غير ان الخاصية الرئيسية للمعبودة  الجميلة تانيت – فينوس  هو انها عاشقة لحرية كل الناس وللمساواة بين الناس بدون أي تمييز  بسبب الأصل او الدين او اللغة او الجنس  او الرأي ،
          انها ترصد حياتها وجمالها وحبها لحقوق الناس  وحرية الناس ، ولم ينقصها في سعادتها غير اللقاء مع اطلس -جوبيتار الذي كان حديث العالم لحظة انتصارها ،
          كانت ذات انفة وكبرياء لذا فانها لم تكن لتتجه نحو المحيط لتلقى من يغمره فضولها،
          كانت أنثى الهية، لكنها كعصفورة مزخرفة تتلهف  ان يحضنها طائرها المحبوب بجناحيه الدافئتين ويغرق في حبها  حتى الأعماق  ورغم حبها للسلم والسلام فانها  محاربة  في مستوى " تهيا " هذه الاميرة التي قد تكون جدة الطفلة الجميلة " تانيت " او قد تكون مخلوقة الالهة العريقة " تانيت " ،
          انها تحب ان تكتب كل صباح كما تحب الشمس  ان تشرق  كل يوم ، وظل فضول التوجه الى المحيط هاجسها،غير ان الكبرياء اقوى من الحب ، وذات يوم  وهي تنعم بحريتها المطلقة على رمال شواطئ نابل غاصت بجسدها البديع في الأمواج ثم عرضت نهديها النافرين لشمس ممتعة ثم قامت الى الابداع والخلق حيث تصنع من الرمال مخلوقات تنفخ فيها ثم ترسلها الى اعماق البحر من اجل توفير المزيد  من الثروة  للناس في تلك الأعماق. وحين انتهت  من عملية  الخلق  وجدت بجانبها  شخصا حمل كل الصفات الجميلة الممتعة التي تصورتها عن اطلس-جوبيتار،ابتسمت ، ابتسم سبحا معا في الماء والشعر والحب ، وتمرغا معا  في الرمال  وتاها معا في  حكايات الخلق والابداع ، وكانت نهاية  حالمة وهي تتلقى  قي ادنيها كلمات اطلس -جوبيتار بعد ان تعاهدا على خدمة حرية الانسان :
-        محبوبتي تانيت-فينوس،سجلي انني اعشقك  بعمق ، حبيبتي ايتها الالهة المركبة لقد جمعت بين رونق السماء ولذة الأرض وحملت من الجمال والحب ازهارا  و ورودا تتيه خلفها اسربة النحل المتوحش اللاهثه خلف لذة عسلية لا غفران ولا عقاب بعدها ، انني اود لو احتضن جسدك وروحك البديعين كما احتضنتك المسابح الرفيعة  وانت طفلة ، آه ما احلى لو يستمر سيلان  الكلمات شعرا وعسلا من بين شفتيك المذهلتين .

      حسن اد بلقاسم تونس10/11يونيو1990
ملاحظة : كتبت هذه القصة بعد زيارة لمتحف باردو بتونس حول التاريخ القديم لشمال افريقيا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-        تانيت : الهة الخصب والجمال في التاريخ الامازيغي القديم وهي كلمة امازيغية تعني الناظرة او البصيرة .
-        فينوس : الهة الحب عند الاغريق
-        "تهيا "  او تاهيا  او داهيا : هي الملكة الامازيغية المعروفة في تاريخ الإسلام "بالكاهنة الداهية " وتعني كلمة تهيا بالامازيغية  " جميلة .
تاكفاريناس : ثائر امازيغي في شمال افريقيا  قاوم  الرومان لمدة خمسة عشرة سنة